ارثية المنظمات ( المنظمات العائلية والملكية )

DSC07801

في بعض البلدان تتعرض منظمات المجتمع المدني للنقد الحاد والشديد من قبل المجتمعات المحيطة بسبب بعض التصرفات والتعاملات التي يمارسها منتسبي ومؤسسي تلك المنظمات و الجمعيات ، مما قد يؤدي إلى تعثر وفشل تلك الجمعيات كون المجتمع هو المستفيد الأهم من تلك النشاطات التي تعمل المنظمات على تنفيذها .

من الممارسات والسلوكيات الخاطئة والغير شرعية هي مسألة ارثيه الجمعيات والتي تتمثل في التفاف بعض المنظمات حول شخص أو أشخاص ، أكثر من التفافها حول المبادئ والأهداف التي أنشئت من اجلها ، وهناك الكثير من تلك المنظمات تتمحور حول أشخاص معروفين، وليس هناك صف أو كادر آخر، حيث تسير المنظمة وفق رؤية فردية لشخص مرموق في المجتمع ، وأحيانا هو شخص عاشق للبروز والظهور ، من دون رصيد فكري أو عطاء ثقافي متميِّز، ويؤدي ذلك في النهاية إلى إدارة المؤسسة بشكل شخصاني، لا يمت إلى العمل المؤسسي بصلة ، وبمجرد غياب ذلك الشخص أو انشغاله بأعمال أخرى فانه سيتوقف العمل بالمنظمة . 

هذه المشكلة نعاني منها كثيرا خصوصا في اليمن ، فانا اعرف منظمات قديمة ولها عمر طويل ولا تزال بنفس الأسماء ونفس الوجوه ، بل أن البعض قد يموت داخل المنظمة ، وهذا ما يجعل المنظمات أكثر ديكتاتورية في الوقت الذي نطالب فيه بدولة مدنية ديمقراطية .

إذا كنا نحن في مؤسساتنا ومجتمعاتنا لا نؤمن بالديمقراطية ولا نتعايش معها فكيف نطلب من الغير أن يكونوا كذلك ، فالواجب أن نبدأ بأنفسنا قبل الآخرين .

إن المشهد القائم والمفتوح في اللحظة الراهنة يبعث في أحد جوانبه على حالة شديدة من القلق تجاه بعض الحركات والتجمعات والملتقيات وكذلك الجماعات الساعية إلى تأسيس منظمات جديدة ، و التي تعبر عن نزعة للتجمع سواء لقضايا مطلبيه قطاعية محددة أو لقضايا سياسية عامة تلتقي اغلبها حول الإصلاح السياسي والاقتصادي ومكافحة الفساد. 

إن الملاحظ أن عدد هذه الحركات والتجمعات والمنظمات في تزايد مستمر بشكل نسبي وهو يعتبر مبعثا للتفاؤل على اعتباره يعكس رغبة لدى الناس في الانخراط في العمل المجتمعي وكسر لحالة عزوفهم عن أشكال المشاركة السياسية والمجتمعية ، وعلى قدر ما يبعثه ذلك من تفاؤل فبالمقابل هنالك مضمون اتجاه جديد اخذ بالتبلور لدى بعض هذه الحركات والتجمعات يجعل من التفاؤل حالة قاتمة يلقي بظلال مليئة بالقلق حول اتجاهات هذه الحركات والتجمعات والنتائج التي قد تتمخض عنها على صعيد العملية الديمقراطية وعلى صعيد حالة الاستقرار العام وعلى صعيد النجاح في عملية الإصلاح السياسي ، واحدة من أكثر المضامين التي تبعث على القلق تلك الفكرة التي تدعوا إلى تأسيس منظمات وتجمعات تقوم على أساس العوامل الإرثية والعائلية والجهوية والمحسوبية  وروابط الدم ، فهذه الفكرة لوحدها كفيلة ليس فقط باختطاف أي محاولة للإصلاح الحقيقي ودفنها إلى أمد غير مسمى وإنما أيضا في وضع العديد من القيود أمام بناء مجتمع مدني حيوي قادر على إسناد مسار ديمقراطي ناضج .

نحن في مرحلة عنوانها العريض الإصلاح والوصول إلى بناء مجتمع مدني وتعددية حزبية قادرة على حمل أعباء بناء مسار ديمقراطي حقيقي، ولا تستقيم هذه الفكرة إذا كانت أدوات وآليات وطرق الوصول إليها تعتمد على مثل هذه المحاولات ( العشيرة والعائلة والمنطقة والمحسوبية وروابط الدم والهوية ) كلها مؤسسات ارثيه وعائلية لها أدوراها الطبيعية في المجال الأهلي والتعاوني وهذا ليس انتقاصاً في حقها أو خطفاً لأدوارها ، فلم نسمع يوما عن تجربة ديمقراطية ناجحة كان عمادها في التعددية العشيرة أو العائلة أو أي شكل من التكوينات الإرثية والأهلية ، ولم نسمع عن برلمانات حيوية وقادرة على القيام بأدوارها إذا كان الوصول إليها يمر عبر التكوينات الإرثية والجهوية والقبلية .

بقلم / ناجي مسعود عشال  – رئيس المؤسسة .

Leave a Reply